مدينة شجر الحماط وثقافة المجرور
د. عائشة عباس نتو
انطلق سوق عكاظ التاريخي بمدينة الطائف روضة من رياض العطاء الثقافي برعاية أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وأعاد لنا ذاكرة التاريخ الذي مضت عليه قرون طويلة. إنه الأمير خالد الفيصل أحد قلة من الذين يتأملون بعمق في ماضي العرب وفي حاضرهم، في تراثهم وفي حداثتهم، في تقدمهم، بالتاريخ، بالعصر، بالهوية، بالثقافة، بالنهضة، بالحضارة...وهو أحد قلة من الذين ينادون بالعالم الأول وينفرون من ثقافة الإحباط، ومواجهة السائد والمألوف، والحضارة والتخلف، وإلى "نحن وهم" الشرق والغرب. في مساء الثلاثاء الماضي تقاطر إلى مدينة الطائف التي تشتهر بشجر الحماط وثقافة المجرور، نساء ورجال الوطن، جاؤوا جميعًا، طامعين في استعادة تاريخ المكان الذي عرفوه من تاريخهم أو سمعوا أهلهم وهم يرددونه، ينتمون إلى نسيج اجتماعي واحد مهما اختلفت توجهاتهم شعرًا أو نثرًا.سوق عكاظ الذي شغل العرب بشعره ونثره، وأطلق اسمه على صحف محلية وأسواق ومراكز ودور مكتبات عربية أصبح حقيقة يزوره المهتمون بالتراث والأدب والتاريخ. جاء سوق «عكاظ» ممسرحًا هذا العام، بانطلاقة مسرحية "امرؤ القيس" التي استحقت بجدارة أن يصفها خالد الفيصل بقوله إنها "انطلاقة المسرح السعودي"، وشاهد الناس أبطالهم، وهم يغنون ويرقصون ويمرحون وصاحبتهم موسيقى متنوعة حيوية من التراث الوطني، وشيدت للمسرحية منصة خاصة اعتلت الخشبة الأساسية وشكلت خلفية جميلة لها. وشدا فنان العرب محمد عبده بأغنية رافقتها رقصة المجرور التي تشتهر بها منطقة الطائف. وقد حظي هذا العام بتنظيم رائع، وكانت مشاركة المرأة السعودية والعربية شعرًا ونثرًا مشاركة بارزة وليست هامشية أو حضورية، ووجود "نساء ثقيف" برهن على أنهن لسن محجوبات أو مغيبات، وأن إشراكهن مسألة أساسية وجوهرية في المحافل الثقافية والاجتماعية والعلمية والتجارية بكل مناحيها، وليست قضية كمالية أو ثانوية. إن مشاركة المرأة في هذا المهرجان حق مشروع لها لإحياء شاعريتها العربية التي ورثتها من الخنساء. وقد كانت المرأة تسجل حضورها في سوق عكاظ بائعةً وزائرةً وشاعرة.وبعد...فإن هذا الحديث الموجز لا ولن يفي هذا العرس الثقافي حقه ذكرًا وشكرًا مثلما أن الكتابة عنه أمر لا يجف له مداد، فقد بذلت جهودًا مباركة من أجل إحياء سوق عكاظ الثقافي...إنه عرسٌ ثقافي كبير.
نشر بتاريخ 23-07-2009