١٩‏/١٢‏/٢٠٠٨

سعوديات


سعوديات

حمزة قبلان المزيني - الوطن

سعدت بحضور مؤتمر الفكر العربي في دورته السابعة التي عُقدت هذا الأسبوع في القاهرة. وهي فرصة أتاحتها لي دعوة كريمة من شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو) لحضور المؤتمر. وهناك كثير من الجوانب التي تستحق أن يشار إليها في الفعاليات المكثفة التي تخللته، وحظيت برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل.لكني أود هنا الاقتصار على جانب واحد من هذه الجوانب. ذلك هو المشاركة النسائية السعودية التي تستحق الإشارة إليها والإشادة بها خاصة في وجه كثير من المحاولات المكثفة الساعية للتقليل من شأن المرأة السعودية، وتهدف إلى تغييبها أو تغييب إسهاماتها الواضحة في مجالات عديدة.كما أود أن أشير هنا تحديدا إلى أربعة نماذج من السعوديات اللاتي شاركن في المؤتمر بفعالية ظاهرة.ويمثل أول هذه النماذج عدد من السعوديات اللاتي يعملن في شركة الزيت العربية السعودية. وهؤلاء السعوديات مثال مشرف للشخصية النموذجية لمنسوبي هذه الشركة عموما التي تعد مثالا في الانضباط والكفاءة، وهو ما أشرت إليه في مقال سابق.ومما يلفت النظر أن هؤلاء السعوديات اللاتي سعدت بلقائهن والتحدث إليهن في المؤتمر يتمتعن بمستوى ثقافي مشرف. فهن على درجة عالية من الوعي الثقافي الذي يشهد به مدى إحاطتهن بما يجري من نقاش لكثير من القضايا الثقافية والاجتماعية والفكرية التي ينشغل بها الحوار العام في بلادنا. ويمكن أن أذكر بعض الأسماء التي تمثل هذا النموذج الرائع للسعوديات المشاركات في المؤتمر؛ ومنهن الأستاذة منيرة القحطاني والأستاذة مي المزيني، وأعتذر عن عدم ذكر أخريات كان من حقهن أن يُذكرن. إذ المقصود هو التمثيل لا الاستقصاء.والنموذج الثاني يمثله عدد من السعوديات اللاتي شاركن بفعالية في تنظيم بعض الندوات المهمة في المؤتمر، خاصة ما سمي بـ"مقهى الحوار" الذي كان طريقة جديدة غير معهودة ـ لكنها رائدة ـ في إدارة الحوار بين المشاركين في نقاش قضية ما.ومن أبرز هؤلاء السعوديات أكاديميات بارزات معروفات مثل الدكتورة عزيزة المانع والدكتورة سهام الصويغ والدكتورة حصة آل الشيخ. ويشهد بفعاليتهن العالية ذلك التنظيم الدقيق والمتابعة الرائعة للخطوات التي نفذت بها تلك الحوارات. وكان يمكن للملاحظ أن يرصد حركتهن الدائبة وتنقلهن السريع لضبط إيقاعها.

أما النموذج الثالث فهو لبعض المشارِكات في الندوات الرئيسة للمؤتمر.

ويمكن أن أشير هنا إلى أكاديمية سعودية واحدة يمكن اتخاذها مثالا لحيوية المرأة السعودية التي تتمثل في اجتراح المبادرات الرائدة.تلك هي الدكتورة عائشة نتو. فقد تحدثت في إحدى الندوات الخاصة بأصحاب المبادرات في تأسيس المشروعات الاستثمارية عن الشركة التي أسستها في المملكة، وهي شركة صارت "تحتل المرتبة السابعة من بين أفضل شركات أصحاب المشروعات في المملكة العربية السعودية". وأشارت إلى أنها بدأت مشروعها في مجال النظارات في عام 1990، وانطلقت بمتجر واحد حتى أصبح لديها الآن 15 متجراً وتطمح إلى أن يكون لديها 101 متجر وهو الرقم الذي حمله حلمها عند بدايته. وأضافت عائشة قائلة" أخطط لكي أفتح 10 متاجر كل عام، أحيانا نفشل لكن في أحيان كثيرة ننجح، وسننتهي من السعودية ثم الخليج ومنها إلى الدول العربية ثم إلى باقي دول العالم بحيث ننتقل من النطاق الوطني إلى الصعيد الدولي، وأعتقد أنني حصلت على ميزة كبيرة لأنني صاحبة مشروع في السعودية، ففي السعودية هناك مناخ يسمح للنساء بأن يمروا قبل غيرهم وعلينا أن نستغل كوننا نساءً" (كما ورد في تقرير عن تلك الندوة نشرته "الوطن"، 19/11/1429).وهناك ما يلفت النظر في شخصية الدكتورة نتو؛ ومن ذلك أنها دائمة الحركة، وتتميز بالجرأة على فتح أبواب النقاش في كل مقام تكون فيه. وهي شخصية متفائلة مرحة تشيع من حولها جوا من التفاؤل والتحدي والتصميم.

والنموذج الرابع ما تمثله الدكتورة بهيجة بهاء عزي (وأعتز بأنها من المدينة المنورة). وهي مستشارة في مجلس الشورى، لكن إسهاماتها تتجاوز هذه المشاركة. فمن أهم ما تسهم به الدكتورة بهيجة تأسيسها لجمعية تهتم بالأسرة. وقد عرضت أهداف هذا المشروع ومحتوياته وإسهاماته عرضا رائعا في بهو الفندق الذي أقيم فيه المؤتمر أمام بعض السعوديين المشاركين في المؤتمر.وأهم ما لفت نظري في شخصية الدكتورة بهيجة التزامها الديني الواضح الذي يشهد به مظهرها وأهداف مؤسستها وخطابها الذي يمثل خطابا إسلاميا واعيا. فقد أوضحت أن كثيرا من المشكلات الاجتماعية التي تظهر أخبارها المرعبة في وسائل الإعلام، مثل الطلاق والعنف الأسري وغير ذلك يمكن معالجتها بتثقيف الزوج والزوجة بدءا من فترة الخطوبة. وقد أقامت الدكتورة الفاضلة كثيرا من الندوات وورش العمل لتدريب الأزواج والزوجات على مواجهة ما يمكن أن يعترضهم من المشكلات. كما أعدت كثيرا من حقائب التدريب التي يمكن الاستفادة منها في حماية الأسرة من مخاطر المشكلات الأسرية التي أخذت في الاستفحال الآن.ويلفت النظر أن هذه المؤسسة تقوم على التمويل الذاتي الذي تتحمل الدكتورة بهيجة جانبا كبيرا منه. ومع أن هذه المؤسسة تتبع رابطة العالم الإسلامي إلا أنها لا تمولها، وربما كان سبب هذا أن كثيرا من أموال الرابطة تصرف على هيئات ربما لا تقارب في أهميتها ونفعها مثل هذه المؤسسة الرائدة.وعلى الرغم من المظهر المتدين لمؤسِّسة هذه المؤسسة، ومع أن اسم المؤسسة يحصرها بـ"الأسرة المسلمة"، إلا أنها تسعى إلى تخليصها من هذه المحدودية لتتجاوز أهدافها وعملها إلى الإنسان بوصفه إنسانا. وقد قدمت عروضا كثيرة في بعض الدول الخارجية، وهي ترى أن مثل هذه المؤسسة بأهدافها الإسلامية يمكن أن تكون أفضل أداة للدعوة إلى الإسلام ورد كثير من التهم التي توجه للمسلمين نتيجة لبعض الأحداث الإرهابية التي ينفذها بعض المتطرفين من المسلمين.ومن المؤمل أن يسعى الخيِّرون إلى تعضيد مثل هذه المشاريع الإنسانية الرائدة في معالجة الأزمات الأسرية والوقوف معها، معنويا ومن حيث التمويل، لكي تحقق أهدافها النبيلة.أما ما لفت نظري أكثر من غيره في شخصية الدكتورة بهيجة عزي فهو قراءتها غير التقليدية لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. فهي تشير مثلا إلى صفة العدل التي وصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم النجاشي ملك الحبشة حين وجه المسلمين للهجرة إليها. فقد أشارت إلى أن هذه الإشارة لم تكن عابرة بل مقصودة لإعلاء مفهوم العدل في الضمير المسلم.ومن قراءاتها الرائعة للسيرة إشارتها إلى مكانة المرأة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد أشارت إلى الدور المؤيد المطمْئِن الذي قامت به السيدة خديجة رضي الله عنها ووقوفها إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية نزول الوحي عليه وتصديقها له، وهو دور ربما لا يريد بعض الرجال المسلمين أن يعترف للمرأة بإمكان القيام به.كما أشارت إلى حديث السيدة عائشة رضي الله عنها الذي قالت فيه إن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي في حجرها. وهو ما يصور مدى حبها له، كما يصور المكانة التي تحتلها المرأة في زمن الرسالة المتمثل في عدم التردد في تصوير المواقف بالغة الحساسية، وذلك ما اختفى من حياة كثير من المسلمين.وحين أشار بعض من حضر العرض الذي تفضلت به الدكتورة بهيجة إلى احتمال ردود الفعل المعارِضة على مثل هذا المشروع غير التقليدي من بعض الأوساط في المملكة قالت إن العلاقة بين المختلفين في الرؤى يجب أن تقوم على قاعدة "المصادقة بدل المصادمة". وتعني بهذا أن يستمع المختلفون بعضهم إلى بعض وأن يحسن بعضهم الظن ببعض وأن يؤمن الجميع أن الهدف النهائي للاجتهادات كلها هو الارتقاء بالمجتمع السعودي لا أن ينتصر فريق على فريق.وتشهد هذه النماذج الأربعة أن المرأة السعودية قادرة على الإسهام الفعال في مناح كثيرة، كما تشهد بأن العوائق التي تزرع في طريقها لم تنجح في إلغائها من المعادلة الوطنية.وكم نخطئ كثيرا حين نقصر قضايا المرأة على قضايا الحجاب والاختلاط وقيادة السيارة، مع أن هناك قضايا كبرى يمكن أن نصرف جهودنا إليها من أجل تخفيف نتائجها السلبية على المجتمع بكامله.وتشهد النماذج الأربعة كذلك على أن المرأة السعودية ربما تكون أقدر من الرجل السعودي على رصد كثير من المشكلات الاجتماعية، وهي أقدر على التماس العلاجات الضرورية لها، لكونها امرأة أولا، ولكونها أكثر وعيا في كثير من الحالات من الرجل.أردت في هذا المقال أن أشير إلى سعوديات يشرف بهن الوطن بأسمائهن المحددة، لكني أريد من وراء ذلك أن أقول إن هذه الأسماء لا تستغرق الأسماء الفاعلة كلها في مجالات كثيرة نلمس أثرها وإن لم نعرف أسماء كثير من السعوديات اللاتي ينجزن بصمت كثيرا من المشاريع الرائدة ويمثلن فكرا وطنيا إنسانيا رائدا.* أكاديمي وكاتب سعودي

ليست هناك تعليقات:

من أنا

صورتي
Jeddah, Saudi Arabia
لايوجد"لا" في القاموس العائشي